كيف تفسِّر أحلامك ؟

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه واشهد أنَّ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع إخوانه .

وبعد:
إن الرؤى التي يراها الإنسان في منامه هي انعكاس لما وقع في حياته من خيرٍ أو شر ، وتعبير عما يجول في نفسه من دوافع ورغبات ، بل هي وسيلة لتهيئة نفسه لما سيقع من خير أو شر ، والرؤيا تأتي على ما مضى وخلا وفرط وانقضى ، فتُذكِّر الغافل بما أسلف ، والعاصي بما فرّط ، أو بتوبة قد تأخرت ، والرؤى أيضاً وسيلة من وسائل قراءة ما في الغيب من الأمور التي يختارها الله له من خيرٍ أو شر كالموت والمطر والغنى والفقر والعز والذل والشدة والرخاء.
وقد كثرت في هذا الزمان البرامج التي تُعنى بتفسير الأحلام, وكذلك الكتب ، وقد يستطيع الإنسان أن يُفسر رؤياه بنفسه بعد عون الله وتوفيقه.

وهذه بعض الوسائل المعينة لتفسير الأحلام والرؤى أسأل الله الكريم الوهاب أن ينفع بها كل مسلم ومسلمة :

1/ أتق الله في اليقظة وأحسن ، وأعلم أخي أنه ليس كل رؤيا تُفسر:
فهذا إمام أهل التأويل ابن سيرين كان يُسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء إلا أن يقول للرائي : «اتق الله وأحسن في اليقظة , فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم»وكان يُجيب في خلال ذلك ويقول : إنما أُجيبه بالظن , والظن يُخطئ ويُصيب .

2/ حدد ما هو الحدَث المهم في الحلم:
ضع يدك - من الرؤيا - على المهم منها - أو الذي تراه يرمز إلى أي من أمور الواقع - أو ما تعلقت أمثاله ببشارة أو نذارة ، أو تنبيه ، أو منفعة في الدنيا أو في الآخرة، واطرح ما سوى ذلك من الحشو والخلط والأمور التي لا تنتظم والتي لا معنى لها .

3/ حلل ما رأيته مستنبطاً بدلالة أصول التعبير الآتية :

أولاً : القرآن الكريم :
أعرض الرؤيا على كتاب الله فقد تجد تأويلها في بعض آياته مثل: اللباس الجديد قد يكون بشرى بزواج، لقوله تعالى: ]هنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن[،والحبل تعبره بالعهد، لقوله سبحانه]وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ [.
v والسفينة تعبرها بالنجاة لقوله تعالى:]فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ[". " والخشب تعبره بالنفاق لقوله عز وجل: ]كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ[.
v والحجارة تعبرها بالقسوة لقوله جل ذكره :]فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً[.
v والرماد تعبره بالعمل الباطل لقوله تعالى] مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ[.v والماء يعبر بالفتنة لقوله تعالى: ]َلأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً لنفتنهم فيه[ .

v وأكل اللحم النيء يعبر بالغيبة لقوله تعالى :]أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً[.
v والنعاس يعبر بالأمن لقوله تعالى: ]إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ[.
v والبقل والقثاء والفوم والعدس والبصل يعبر لمن أخذه بانه قد استبدل شيئا أدنى بما هو خير منه من مال أو رزق أو علم أو زوجة أو دار لقوله تعالى :]َادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ[.
v والبيض يعبر بالنساء لقوله تعالى :]َانَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ[،، وكذلك اللباس لقوله سبحانه وتعالى :]هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ[.
v والنور يعبر بالهدى ، والظلمة بالضلال لقوله تعالى: ] يخرجهم من الظلمات إلى النور[.وهكذا ..

ثانياً : الحديث الشريف :

تُعرض الرؤى على ما جاء في الأحاديث الشريفة.

v كالغراب يعبر بالرجل الفاسق لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه فاسقاً .
v والفارة تعبر بالمرأة الفاسقة لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماها فويسقة .
v والضلع والقوارير تعبر بالنساء لقوله صلى الله عليه وسلم :« المرأة خلقت من ضلع » وقوله صلى الله عليه وسلم: « ويحك يا أنجشه رويدا سوقك بالقوارير» .[رواهما الشيخان] .
v والقميص يعبر بالدين لقوله صلى الله عليه وسلم :«رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما يبلغ دون ذلك ، وعرض علي عمربن الخطاب وعليه قميص يجتره » ، قالوا : فما أولته يا رسول الله؟ قال : « الدين »[ أخرجه الشيخان ].
v واللبن يعبر بالعلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوله بالعلم ، ويعبر بالفطرة لحديث الإسراء .
v والغيث يعبر بالهدى والعلم لقوله صلى الله عليه وسلم :"مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث . . . " الحديث [متفق عليه] .
v والظلم يعبر بالظلمات والعكس ، والشُّح بالهلاك وسفك الدماء لقوله صلى الله عليه وسلم : "اتقوا الظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشُّح فإن الشُّح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دمائهم ، واستحلوا محارمهم " [رواه مسلم] .
v والنخلة تعبر بالمسلم لقوله صلى الله عليه وسلم : "إن من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم ، ثم قالوا : حدثنا ما هي يا رسول الله ؟ قال : هي النخلة" [متفق عليه].
v وحامل المسك يعبر بالجليس الصالح ، ونافخ الكير يعبر بالجليس السوء للحديث المتفق عليه «مثل الجليس الصالح والجليس السوء».

ثالثاً : تأويلات الصحابة : الصحابة أعلام الهدى قد ألهمهم الله الرشد ، ومدهم بنور البصيرة ،وكان من أبرزهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين .

رابعاً : بظاهر الاسم : مثلاً اسم فاضل يدلُّ على الفضل، وراشد يدل على الرشد ،وسعيد بالسعادة إلى غير ذلك من الأسماء.

خامساً : دلالة المعنى ، أو وصفه :

v فالياسمين والورد قد يدلان على قلة البقاء أو قصر العمر لذبولهما بسرعة. والنار تعبر بالفتنة ، لأن النار تُفسد كل ما تمر عليه وتتصل به ، وكذلك الفتنة . والنجوم بالعلماء، لحصول هداية أهل الأرض بها .
v والحديد وأنواع السلاح يعبران بالقوة والنصر.
v والرائحة الطيبة تعبر بالثناء الحسن وطيب القول والعمل . والرائحة الخبيثة بالعكس .
v والديك رجل عالي الهمة بعيد الصيت . والحية عدو أو طول حياة .
v وخروج المريض من داره ساكتا يعبر بموته ، ومتكلماً يعبر بحياته . والخروج من الأبواب الضيقة يعبر بالفرج والنجاة .
v والسفر من مكان إلى مكان يعبر بالانتقال من حال إلى حال .

سادساً : من اللغة ومعانيها :
فالسنُّ رمزٌ لسنِ الإنسان، أي: عمره. فقلع ضرسٍ ، أو سنٍّ أو ناب يدل على وفاة قريب أو هموم تمر عليك من جهة الاقارب.
الفك العلوي للرجال والسفلي للنساء ]الرجال قوّامون على النساء[، وإذا كان القلع يدل على الموت أو المرض فإن التركيب يدلُّ على الولادة أو الحمل.

سابعاً : من الأمثال السائدة :
فاليد الطويلة تدلُّ على معروف وخير، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجاته:
«أولكنَّ لحوقاً بي أطولكنَّ يداً» أي أكرمكنَّ وأكثركن صدقة. فكانت زينب ب.وغيرها من الأمثال .

ثامناً : بضد الشيء ( بعكسه ) :
فالبكاء قد يؤول بالفرح "أقرَّ الله عينيك" أي أبكاك بدمعٍ بارد ولا يكون إلا عند الفرح ،والضحك قد يدل على الحزن لقولهم "شر البلية ما يضحك" وهكذا.
والحجامة على أنها صك وشرط ، والطاعون حرب والحرب طاعون ، وفي السيل عدو والعدو سيل ، والجراد جند والجند جراد إلى غير ذلك.
مسائل في الرؤى والأحلام:
1- اختلاف الرؤبا :
الرؤيا يختلف تعبيرها باختلاف الأشخاص وباختلاف العصور والبيئات والظروف فليس الرجل الصالح كالفاسق في التعبير ، وليس المرأة كالرجل فالأذان قد يدل على الحج أخذاً من قوله تعالى :]وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ[
والأذان قد يدل على السرقة أخذاً من قوله تعالى: ]ثمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ[.. فإذا كان السائل من أهل الاستقامة كان التأويل بالحج والدعوة إلى الله لأن الأذان دعوة إلى الخير ,وقد يعبَّر بعمل صالح فيه شهرة..

2-الرؤيا قد يتأخر وقوعها :
قيل لجعفر بن محمد : كم تتأخر الرؤيا ؟ قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن كلباً أبقع يلغ في دمه فكان شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين رضي الله عته , وكان أبرص أخزاه الله , وكان تأويل الرؤيا بعد خمسين سنة .

3-أقسام الرؤى والأحلام :
تنقسم الرؤى والأحلام إلى ثلاثة أقسام كما جاء في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم : «الرؤيا ثلاثة :فالرؤيا الصالحة بشرى من الله ،ورؤيا تحزين من الشيطان ،ورؤيا مما يُحدِّث المرء نفسه ».
فالرؤيا الصالحة فد تُسر صاحبها ،وقد تسوءه ،وقد تأتي كفلق الصبح ، وقد تكون صريحة لا تُتعب المعبر ،وقد تكون رمزية تحتاج إلى إعمال الفكر كرؤيا يوسف عليه السلام ،ورؤيا الملك.
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تبارك وتعالى ]لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ[، فقال: «هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ».
فإذا كانت الرؤيا حسنة صالحة استحب لرائيها أربعة أشياء : 1- أن يحمد الله تعالى عليها. 2- أن يستبشر بها . 3- أن يتحدث بها لمن يحب دون من يكره . 4- أن يفسرها تفسيراً حسناً متفائلاً، لأن الرؤيا تقع على ما فُسرت .

4- الفرق بين الرؤى والأحلام :
هناك خلط من الناس بين الرؤى والأحلام فالرؤيا من الله والحلم من الشيطان .والرؤيا من الله تبشير أو تحذير .
أما الحلم فهو من الشيطان يلقيها في مُخيِّلة الإنسان ،ليُحزنه ويُلبِّس عليه في دينه ويصده عن فعل الصلاح .

5- الفرق بين الأحلام وأضغاث الأحلام :
الأحلام صور وأخيلة يمليها الشيطان على الإنسان ليحزنه ويُلبِّس عليه دينه ويصدَّه عن فعل الخير كما ذكرنا آنفاً.
أما أضغاث الأحلام فهي عبارة عن صور وأخيلة لا رابط لها ولا ضابط ، يراها النائم فينزعج ويخاف منها, وسميت أضغاث لأنها خليط من الصور والأخيلة , ومن ذلك قوله تعالى:]وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ[ .

6- لا تكذب في رؤياك :عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كذب في الرؤيا متعمداً كلف عقد شعيرة يوم القيامة ».
و عنه أيضا رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كذب في الرؤيا متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ».

7-إذا رأيت ما تكره:
v عوّد نفسك إذا أويت إلى فراشك فأقرأ آية الكرسي والآيتين من آخر سورة البقرة .
v لا تنسى دعاء النوم .
v اجمع كفيك ثم انفث فيهما وأقرأ سورة الإخلاص والفلق والناس ، افعل ذلك ثلاث مرات .
v فرِّغ ذهنك من كل شواغل الدنيا وهمومها ،فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءاً من النبوة فمن رأى خيراً فليحمد الله عليه وليذكره ومن رأى غير ذلك فليستعذ بالله من شر رؤياه ولا يذكرها فإنها لا تضره ». [متفقٌ عليه]
وفي رواية: «ومن رأى سوى ذلك فإنما هو من الشيطان ليحزنه فلينفث عن يساره ثلاثاً وليسكت ولا يخبر بها أحدا ».

8-أشياء الغالب تعبيرها بالاتي:
1. المرأة تعبر بالدنيا.
2. الطائر الذي يخرج من الرأس بعد حلقه بالروح.
3. حل الإزار بالزواج.
4. فَرْج المرأة بالأرض.
5. الخاتم بالمرأة.
6.الماء والغرق، يؤول بالفتنة وبالنار.
7.الكلب عدو ضعيف كثير الصخب .
8 .الأسد رجل قاهر مسلَّط .
9.الثعلب رجل غادر ماكر محتال مراوغ عن الحق .
10.كل زيادة محمودة في أعضاء الجسم فزيادة خير، وكل زيادة متجاوزة للحد في ذلك فشر.
11. كل صعود وارتفاع فمحمود، وكل سقوط وخرور من علو إلى أسفل فمذموم .

9- ما يستحب في الرؤيا الآتي:
1. اللبن ويؤول بالفطرة وبالعِلْم.
2. الخضرة وتؤول بالراحة والسعادة والصلاح ومجالس العلم.
3. الطِيب، ويؤول بالثناء الحسن والعيش الحسن، خاصة الطيب الأسود كالمسك.
4. الثياب البيض صلاح وتقوى .
5. القيد في الأرجل، ويؤول بالثبات في الدين.
6. قطع النهر، ويؤول بتجاوز بلاء وفتنة وأمر صعب....الخ ما يستحب.

10-تأويل الرؤيا على الغير:
وربما ترى الرؤيا ويعود تأويلها إلى أخيك أو صديقك ، أو أحد أقاربك ، أو من له علاقة بك ، ويكون ذلك إذا كانت الرؤيا لا تليق بك معانيها، ولا يمكن أن ينال مثلك موجبها، ويكون صاحبك أحق بها منك ، كدلالة الموت مثلاً لا تُنقل عن صاحبها إلا أن يكون سليم الجسم في اليقظة وشريكه مريضاً. وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم مبايعة أبي جهل له ، فكان ذلك لابنه عكرمة فلما أسلم ، قال صلى الله عليه وسلم:"هو هذا" ورأى لأُسيد بن العاص ولاية مكة، فكان لابنه عتاب بن أسيد ولاَّه النبي صلى الله عليه وسلم مكة.

11-إذا لم تستطع تعبير رؤياك :
إذا لم تستطع بعد ذلك كله تعبير رؤياك ما عليك إلا أن تستعين بالله أولاً ثم بأحد المعبرين أو بالاتصال بنا عبر الهاتف أو الانترنت.

والله أعلم.

وأتركك أخي في رعاية الله ولا تنسَ كاتب هذه السطور من دعوة بظهر الغيب وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين